شُرور الطائفيّة ... ترحّموا على سايكس بيكو!!! - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

شُرور الطائفيّة ... ترحّموا على سايكس بيكو
وهيب أيوب - 05\01\2011

"إذا أغلقتُم أبوابكم في وجهِ الأخطاء، تبقى الحقيقة خارجاً "

طاغور

من قصائد نزار قبّاني الأخيرة قبل وفاته، قصيدة بعنوان "متى يعلنون وفاة العرب"، ولو تريّث شاعرنا قليلاً في رحيله، لكان حضَرَ الجنازة وشبع فيها لطماً...!
يجب ألاّ يُفاجَئ أحد أنّه خلال العشرين سنة القادمة قد يتضاعف عدد ما يُسمى بالدول العربيّة، وتزداد الفضائيات العربيّة بدل الألف عدّة آلاف، لكل طائفة ومذهب وقبيلة وعشيرة وبطن وعائلة فضائية، بل عدّة فضائيات، توزّع عليها مُختلف ألوان وأشكال اللحى والمفتين.
وبعد أن شبع العرب صراخاً وعويلاً على ما فعلاه "سايكس" و"بيكو" خلال القرن الفائت، من تقسيم الأراضي العربية إلى دول، فإنّهم سيغرقون في دِماء أشلاء تلك الدول بعد أن يجزّؤها إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية وقبلية.. لهذا يجب إعادة الاعتبار للمغفور لهما سايكس وبيكو، طيّب الله ثراهما وأسكنهما فسيح جنانه، على رؤيتهما المُنفتِحة...!

يدين العرب والمسلمون إسرائيل كونها تريد أن تكون دولة يهودية، ويسمّون ذلك عنصرية، لكن أن يكون البعض منهم دولاً إسلامية، وبعضهم الآخر دول متعددّة الأعراق والقوميات والطوائف، ويريدون تطبيق الشريعة الإسلامية على الآخرين، فهذي تُسمى "حضارة إسلاميّة"...!
قبل أيام تم تفجير كنيسة مسيحية "قبطية" في مصر، راح ضحيتها 25 قتيلاً، وأكثر من مئة جريح، في أبشع صور الإجرام والدمويّة.
طبعاً سينسبون التهمة كالعادة إلى أصابع وأيدي خارجيّة. إنّها الشمّاعة الدائمة، ثمّ يتفاخرون بالوحدة الوطنية والعيش المُشترك....!
ولكن ماذا عن التحريض الدائم ضد الأقباط والبابا في مصر، في المساجد والإعلام والإنترنت، والفتاوى التي يصدرها الإسلاميون، التي تحضّ على الكراهية ضدّهم، وحتى عدم إلقاء التحيّة عليهم أو مشاركتهم أعيادهم. فهل هذي أصابع خارجيّة..؟!

ومعروف أن في مصر أكثر من عشرة ملايين قبطي مسيحي، هم السكان الأصليين لمصر، قبل أن يأتيهم عمرو ابن العاص غازياً وفاتِحاً. والإسلاميون في مصر يدعون لدولة إسلامية وتطبيق الشريعة، فيبات الأقباط المسيحيون مواطنين درجة ثانية، أي أهل ذمّة تحقّ عليهم الجزية عن يدٍ وهم صاغرون...!
فهل من المُستغرب أن نشهد مُستقبلاً مطالبة الأقباط بدولة مُستقلّة.
وفي العراق يتم قتل المسيحيين وتهجيرهم بشكلٍ دائم ومنهجي، تحت ضربات الفاشية والعنصرية الإسلاميّة، من خلال عمليات تفجيرية انتحاريّة في كنائسهم وبيوتهم، ولم يبقَ منهم سوى آلاف، بعد أن كانوا يفوقون المليون وثلاثمائة ألف مسيحي، هم بالأساس أصحاب البلد والديار قبل أن يأتيهم الغزو الإسلامي في القرن السابع الميلادي. ناهيك عن الأكراد والتركمان والآشوريّين وغيرهم.
لكن الإسلاميّين يسعون لدولة إسلاميّة، فكيف لا يكون الانفصال..؟!

في السودان، ستشهدون قريباً ميلاد دولة جديدة في الجنوب، وقد يليها أُخرى غرباً في دارفور، وربما رابعة شرق السودان، والحبل على الجرّار.
كل ذلك، ليس سوى تتويجاً لسياسات النظام السوداني عبر عقود خلت، من محاولة التنكّر للأديان والقوميات والإثنيات والأعراق والثقافات الأخرى واضطهادهم وقتلهم وتهجيرهم، تحت شعار، رفع راية العروبة والإسلام والشريعة.
فكيف لا تتم التجزئة والانفصال في مجتمعات ودول تتنكّر للمواطنة والمساواة بين الناس.
فهل يحقُّ لمسيحي قبطي في مصر الترشّح لرئاسة الجمهوريّة، أو في السودان أو العراق أو سوريا، أو أي بلدٍ عربيٍّ آخر..؟ فكيف يشعر هؤلاء أنّهم مواطنون في بلدهم، ويحق لهم ما يحقّ لغيرهم..؟
وكيف لإسرائيل وأمريكا أن تتركا فُرصاً مُهيّأة لهما كهذه، على طبقٍ من فضّة، ولا يستغلانها.
فلا تلوموا الآخرين وأنتم أساس العلّة وسبب التشرذم والانقسام.

هذا ما يجري في كلّ الدول العربيّة والإسلاميّة، من لبنان حتى إيران، مروراً بأفغانستان وباكستان والصومال والمغرب وتونس والجزائر والخليج، فكيف لا تكون التجزئة والتقسيم..؟!
لقد فشل العرب وحكّامهم المستبدّون، وهم سيفشلون في المحافظة على ما منحهم إيّاه سايكس وبيكو، خاصّة إذا ما استمرّوا بدفع مشاكلهم إلى الخارج. فخلال التسعة عقود المنصرِمة، بعد قِسمة سايكس بيكو، فشل العرب في إنجاز أي شيء، على صعيد الديمقراطية والدولة المدنية العلمانيّة، والتنمية والصناعة، والتربية والتعليم وثقافة المواطنة ودولة القانون ومحو الأميّة ومكافحة الفقر والجهل والفساد. فعلى ماذا سيحافظون...؟!

كل ذلك أتاح للأوباش الطائفية العنصرية الانفلات من عقالها، وغزو المجتمعات وردِّها إلى بدائيّتها ووحشيتها، تحت شعار الدين والتديّن، والدعوات الطائفية والمذهبية الفائضة تفرقة وعنصريّة.
لهذا، فها هم يفشلون أخيراً في المحافظة على كياناتهم المقسومة لهم.
هذا ما تجنيه اليوم أيديكم، فترحّموا على سايكس بيكو ....!